Friday, October 19, 2007

اعتبار الحساب الفلكي في حساب أوائل الشهور العربية - 2

نقاط تمهيدية:

1- لا يختلف المسلمون في شتى بقاع العالم قديما وحديثا أن الاختلاف في ثبوت شهر رمضان وأن الصيام حتى لو كان خطأ – طالما أنه مبني على اجتهاد – أنه صيام صحيح ولم يقل أحد قولا حتى ولا قولا شاذا أن الصيام باطل أو أنه لا ثواب فيه وهذا إجماع – ولله الحمد والمنة - قل أن تجد نظيره وهو من رحمة الله لهذه الأمة المعصومة من الاجتماع على ضلالة .


2- لا أعتقد أن أحدا في زماننا المعاصر يجادل في الاستئناس بقول علماء الفلك وذلك لتيسير إثبات الرؤيا وتحديد جهة ظهوره والجهة التي يستطلع فيها وشكله وفتحته وطرفيه ونحو ذلك من الصفات , وذلك لأن علم الفلك في عصرنا هذا يختلف عما كان عليه في الزمن السابق من خرص وتخمين وعدم دقة في الحسابات وضعف الأجهزة المستخدمة.

3- ظاهرة ميلاد الهلال الجديد والتي هي أول انتقال للقمر عن وضعية المحاق (السواد التام) وانزياحه عن الاجتماع بقرص الشمس هي حدث كوني مطلق يحدث في لحظة واحدة بالنسبة لجميع الأرض ويحدد وقته بدقة عالية لعدة سنوات مقبلة ولحظة الولادة هذه يمكن أن تكون في أي ساعة من ليل أو نهار ويتفق الفلكيون على موعد ولادة الهلال بفارق ثواني لا يتجاوز دقيقة على الأكثر.

4- ولهذا اعتبر كثير من العلماء الحساب الفلكي في حال النفي لا في حال الإثبات.ومعنى هذا أن الحساب الفلكي إذا قرر أن الهلال لا يولد إلا بعد غروب الشمس فيجب الأخذ به ورد أيِِِ دعوى رؤية تخالفه. لأن الشمس غربت قبل ولادته. فإذا تقدم من يدعى رؤية الهلال بعد غروب الشمس، فيجب في هذه الحال العمل بخبر الفلك في نفي صحة الرؤية بعد غروب الشمس، ورد دعوى رؤية الهلال بعد غروب الشمس مهما كانت . لاستحالة صحة الرؤية حيث إن الهلال لا وجود له بعد غروب الشمس لأنه غرب قبلها فكيف ُيَرى والحال كذلك ؟!!

أما رؤية الهلال الجديد بعد ولادته – قبل غروب الشمس – فهذه مسألة أخرى وتخضع لعوامل عديدة وتختلف من مكان لآخر على سطح الأرض وقد اتفق أهل العلم أن مناط الحكم بدخول الشهر هو رؤية هذا الهلال وليس ولادته الفلكية.

وسيأتي بيان ذلك من كلام علماء الفلك وعلماء الشريعة.

الحساب الفلكي قديما:

توصل الأقدمون بصفة عامة أن الشهر القمري الفلكي هو المدة من الاجتماع إلى الاجتماع أي من اجتماع الشمس والقمر وافتراقهما ثم الاجتماع مرة أخرى فما بينهما فهو الشهر القمري, فإذا وقع الاجتماع قبل غروب الشمس فالليلة القادمة من الشهر الجديد وإن وقع الاجتماع بعد الغروب فالليلة القادمة من الشهر الفائت وقد تتبع الفلكيون المحدثون هذه لطريقة فوجدوها في غاية الصحة والموافقة للواقع.

وقد ذكر شيخ الاسلام - وغيره من العلماء - هذا الكلام وأيده وأقره فقال رحمه الله ما نصه : الْحَاسِبُ غَايَةُ مَا يُمْكِنُهُ إذَا صَحَّ حِسَابُهُ أَنْ يَعْرِفَ مَثَلا أَنَّ الْقُرْصَيْنِ (قلت يعني قرص الشمس وقرص القمر) اجْتَمَعَا فِي السَّاعَةِ الْفُلانِيَّةِ (قلت : يعني بالاجتماع وقت الولادة أو الإقتران أو الخروج من المحاق) وَأَنَّهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَكُونُ قَدْ فَارَقَهَا الْقَمَرُ إمَّا بِعَشْرِ دَرَجَاتٍ مَثَلا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ . وَالدَّرَجَةُ هِيَ جُزْءٌ مِنْ ثَلاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا مِنْ الْفَلَكِ . فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوهُ اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا سَمَّوْهَا " الدَّاخِلَ " : كُلُّ بُرْجٍ اثْنَا عَشَرَ دَرَجَةً وَهَذَا غَايَةُ مَعْرِفَتِهِ وَهِيَ بِتَحْدِيدِ كمْ بَيْنَهُمَا مِنْ الْبُعْدِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ . هَذَا الَّذِي يَضْبُطُهُ بِالْحِسَابِ" مجموع فتاوى ابن تيمية (25- )

أول من يعرف عنه الأخذ بالحساب هو مُطَرف بن عبد الله الشِّخِّير (ت 78ﻫ) أحد أفاضل التابعين ، وممن قال بعد ذلك بالحساب: ابن مقاتل الرازي (من أصحاب محمد بن إسحاق الشيباني تلميذ أبي حنيفة وصاحبه)، والقاضي عبد الجبار، وابن قتيبة الدينوري (ت 276ﻫ) وابن سريج الشافعي (ت 301ﻫ) وهو أول من قال من الشافعية بالحساب ، وتبعه تلميذه القفال الكبير الشاشي الشافعي ، ثم ابن دقيق العيد ، فالسبكي الشافعي (756ﻫ) الذي ألف بحثًا مستقلاً سمّاه: "العلم المنشور في إثبات الشهور" دافع فيه بقوة عن رأيه في رد الشهادة بالرؤية إذا خالفت مقتضى الحساب الصحيح، وقد رجح هذا القول كثير من الشافعية وهو قول عند المالكية.
ويعتبر الشيخ طنطاوي جوهري أول من أثار المسألة في القرن العشرين واعتبر الحساب في الإثبات جائزاً، وصنف رسالة "الهلال" يستدل فيها على رأيه عام 1913م، وكان للشيخ الإمام محمد مصطفى المراغي (رئيس المحكمة الشرعية العليا) رأي كرأي السبكي يرد شهادة الشهود إذا نفى الحساب إمكانية الرؤية حوالي (1925) . ثم جاء الشيخ محمد رشيد رضا عام 1927، وتبنى العمل بالحساب القطعي ودافع عنه ، ثم العلامة محمد بخيت المطيعي ( مفتي الحنفية ) ، الذي صنف في ذلك كتابًا عام (1933م)، بعنوان "إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة"، يربو على الأربعمائة صفحة، وكذلك ابن الصديق الغماري 1953م وصنف كتابًا أسماه "توجيه الأنظار لتوحيد المسلمين في الصوم والإفطار".
ويعتبر الشيخ العلامة المحدث أحمد شاكر رحمه الله أشهر من قال بالحساب في رسالته المدونة "أوائل الشهور العربية هل يجوز إثباتها بالحساب الفلكي؟" عام (1939م)، ومن بعده عدد من كبار الفقهاء المعاصرين، من أمثال العلماء : فضيلة الشيخ فتحي الدريني وفضيلة الشيخ مصطفى الزرقا وفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي .
وعلى هذا فإن كثيرا من أهل العلم اعتمدوا كلام الفلكيين في ولادة الهلال , هؤلاء الزمرة من العلماء الأجلاء بنوا قولهم على أن الحساب قطعي الدلالة والرؤية ظنية ,فإذا خالفت الرؤية الحساب قدم الحساب فهل يدعي أهل الفلك ذلك فعلا في حسابهم وهل يقولون بقطعيته مطلقا في الولادة وإمكان الرؤية؟

أما في ولادة الهلال فلا إشكال كما قدمنا ولكن يبقى الكلام في إمكان الرؤية.

وللحديث بقية ان شاء الله تعالى

المراجع باختصار :
1- العذب الزلال في مباحث رؤية الهلال للمراكشي
2-
بحث للدكتور محمد الألفي أستاذ الفقه بالمعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية
3- رسالة أوائل الشهور العربية للشيخ أحمد شاكر

No comments: